الموناليزا الأفغانية..

الموناليزا الأفغانية.. قصة صورة تعكس معاناة الأطفال والنساء في الحرب.
الحلّ نيوز – صورة “شربات جولا” (الموناليزا الأفغانية) التي حملت الكثير من العِبَر، وسمحت الظروف لصورتها الوحيدة أن تصبح وسيلة مهمة وفعالة وقوية لتكون شاهدة على آلام الطفولة في الحرب وعند التهجير والنزوح.
واكتسبت الصورة شهرة واسعة لدرجة أنها حوًّلت معاناة الفتاة إلى قضية إنسانية. وعلى المدى البعيد تحولت الصورة إلى نسخة رمزية عن مظهر من مظاهر أطفال يعيشون بشاعة حرب أخرى في مكان آخر من هذا العالم.
ولدت “شربات جولا” في أفغانستان عام 1972. وعلى إثر إحدى العمليات العسكرية أثناء الحرب السوفيتية – الأفغانية قُتل والدها ووالدتها، فأُجبرت الفتاة على ترك منزلها لتنتقل مع جدتها وأخواتها إلى واحد من مخيمات التهجير.
وقضت “جولا” طفولتها في مخيم “ناصر باغ” للاجئين الذي يقع في باكستان، وفي تلك الفترة تحديداً التُقِطَت لها صورة من قبل المصور الأميركي ستيف ماكوري عام 1984، وكان عمر الفتاة آنذاك قرابة 12 عاماً.
في عام 1985 ظهرت الصورة للمرة الأولى على غلاف مجلة “ناشيونال جيوغرافيك”، ولاقت رواجاً واسعاً وإعجاباً شديداً في الأوساط الغربية حتى سُمِّيت بـ”الفتاة الأفغانية”، ولما شُبِّه المصور “ماركوري” بـ”ليوناردو دافنشي”، في دلالة على عبقريته واختياره الموفق أطلقوا على صورتها “الموناليزا الأفغانية”.
وصارت صورةً رمزيةً لفتاةٍ لاجئةٍ تجذب التعاطف نحو قضيتها. طفلة صغيرة بعيون خضراء ورداءٍ أحمرٍ، ولا معلومات إضافية.
وفي التسعينيات من القرن الماضي دفعت صورة “جولا” المصور ماكوري ليعود للبحث عنها مجدداً، لكن محاولاته باءت بالفشل.
وبعد جهد جهيدٍ عُثِرَ عليها أخيراً عام 2002. لكن عملية التأكد من هوية الفتاة ظل قائماً، فقاموا بعرض الصورة على خبراء مختصين.
وبعد إجراء مجموعة من الفحوصات التقنية للتأكد بشكل جازم من حقيقة “الفتاة الأفغانية”، كانت النتائج إيجابية وتؤكد بأن الفتاة التي تدعى “شربات جولا” هي نفسها الفتاة التي التقطت لها الصورة عام 1984. وقد أصبحت في الثلاثين من عمرها.
وعاشت “جولا” حياة صعبة ومضنية، إذ بدأت المعاناة في مخيم اللاجئين في باكستان. وتزوجت وهي تقريباً بعمر الـ15، ثم عادت إلى أفغانستان أرملة وأماً لثلاثة أطفال، عندما توفي زوجها بسبب التهاب الكبد الوبائي عام 2012، ودام التهجير لسنوات طوال.
وفي عام 2016 اعتقلت السلطات الباكستانية “جولا” لإقامتها في باكستان بوثائق مزورة. حينها انتقدت منظمة العفو الدولية القرار، فقرروا إعادتها إلى أفغانستان بعد قضاء 15 يوماً في السجن.
واستقبلها الرئيس الأفغاني السابق حامد كرزاي واللاحق أشرف غني، ووعدوها بالحماية ورعاية أطفالها، ومنحت الحكومة الأفغانية لها ولأطفالها منزلاً في كابل
ويرى أحد نقاد الصورة، أنه ربما تعيش “شربات جولا” اليوم نازحة داخل وطنها أو خارجه. وفي الحالتين، فإن تلك العيون الخضراء والحائرة، قد التقطت صور المآسي والصراعات التي يعيشها أفغانستان، وظلت في الذاكرة. تلك العيون التي قُدِّر لها أن تكون شاهدة على القتل والتهجير.
وبعد أكثر من أربعة عقود ماتزال صورة شربات جولا تحكي حكايتها وتروي الكثير عن طفلة كيف عاشت وكبرت مع المعاناة وفيها. صورة تحكي عن مآسي بلادها حتى اليوم، إذ تجترّ صورتها القديمة الذكريات الأليمة في الماضي والحاضر، بحسب الناقد.
ويمكن أن تكون صورتها في الأمس كصورة أي طفل يعيش مثلها، ولكن اليوم، ذكريات الحرب المؤلمة ومعاناة التهجير وعذابات النزوح.