سؤال وجواب (فتاوى وأحكام)


السؤال:
هل يجوز لي أن أدفع زكاتي لأخي إذا كنت مكلفا بالنفقة عليه؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
نفقة الأخ على أخيه من محاسن الأخلاق، ومكارم الأعمال، لا تصدر إلا عن نفس طيبة تبتغي ما عند الله عز وجل من أجر وثواب.
وهي مع ذلك لا تعتبر من الواجبات المتحتمات في مذهبنا، إذ النفقة عندنا لا تجب إلا على الأصول والفروع والزوجة، ولذلك يجوز للأخ أن يدفع زكاة ماله لأخيه الفقير الذي لم يستغنِ بنفقة غيره عليه.
يقول الإمام الشافعي رضي الله عنه: “لا ينفق – أي لا يجب أن ينفق – على أحد أقربائه غيرهم – يعني الأصول والفروع – لا أخ، ولا عم، ولا خالة، ولا على عمة” انتهى. “الأم” (5/97)
ويقول الخطيب الشربيني رحمه الله – بعد أن قرر وجوب النفقة على الأصول والفروع-:
“خرج بالأصول والفروع: غيرُهما من سائر الأقارب، كالأخ والأخت والعم والعمة.
وأوجب أبو حنيفة رضي الله تعالى عنه نفقة كل ذي محرم، بشرط اتفاق الدِّين في غير الأبعاض؛ تمسكا بقوله تعالى : (وعلى الوارث مثل ذلك)
وأجاب الشافعي رضي الله تعالى عنه بأن المراد: مثل ذلك في نفي المضارة، كما قيده ابن عباس، وهو أعلم بكتاب الله تعالى ” انتهى. “مغني المحتاج” (5/184)
وأما إذا وجبت نفقة الأخ على أخيه بقرار من المحكمة الشرعية أصبحت نفقة واجبة، ولا يجوز للأخ حينها أن يدفع الزكاة إلى أخيه، إذ لا يجوز دفع الزكاة لمن تلزمه نفقته. والله أعلم.

السؤال:
ما حكم البيع بالتقسيط وشروطه؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
لا حرج في شراء وبيع السلع بالتقسيط، ولو زاد سعر التقسيط عن سعر النقد (الحال)، فقد اتفق جمهور العلماء من المذاهب الأربعة على جواز صورة هذا البيع؛ واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت: (جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، في كُلِّ عَامٍ وَقِيَّةٌ) متفق عليه، وهذا هو بيع التقسيط، وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم.
قال شيخ الإسلام الإمام النووي رحمه الله: “أما لو قال: بعتك بألف نقداً وبألفين نسيئة، أو قال: بعتك نصفه بألف، ونصفه بألفين؛ فيصح العقد” [روضة الطالبين 3/ 397].
ويشترط لجواز بيع التقسيط شروط، وهي:
أولاً: إذا تمّ البيع؛ فلا بدّ من الاتفاق على أحد الثمنين (ثمن المبيع حالاً نقدًا، أو ثمن المبيع بالتقسيط) عند العقد، فلا يجوز أن يكون العقد على الثمنين دون تحديد واحد منهما.
ثانياً: أن يكون أجل الأقساط محدداً؛ منعاً من الجهالة.
ثالثاً: ألا يترتب على تأخر المشتري بالدفع أي مبالغ إضافية؛ لأن كلَّ زيادة على أصل الدين ربا.
رابعاً: أن لا يشترط في العقد الحطّ من الثمن في حال تعجيل السداد.
هذا؛ وننوه إلى أن هذا الجواب لا يُعدّ فتوى لعقد بعينه، بل هو في الضوابط العامة لبيع التقسيط. والله تعالى أعلم.

السؤال:
ما الحكم الشرعي في قول الرجل لزوجته: “تحرمي عليّ كما حرمت أختي”؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
الظهار: هو أن يشبّه الزوج امرأته بظهر أمه أو غيرها من محارمه، أو بعضو من أعضائها، فيقول: أنت علي كظهر أمي، أو كفرجها أو كيدها.
وألفاظ الظهار: إما أن تكون صريحة لا تحتاج إلى نية لوقوعها، وإما أن تكون كناية فتكون مفتقرة إلى نية لوقوعها، قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري رحمه الله: “الركن الثاني: الصيغة له -أي الظهار-، وصريحه: أنت عليَّ كظهر أمي، وكذا أنت كظهر أمي بترك الصلة، كما أن قوله أنت طالق صريح، وإن لم يقل مني لتبادر ذلك إلى المعنى المراد، وهي أي الصلة، عليَّ ومنيّ نحوه، كمعي وعندي، وكالظهر اليد والرجل والشعر، والجملة والنفس والذات والجسم والبدن، وسائر الأجزاء؛ كالصدر والبطن والفرج؛ كقوله أنت كيد أمي، أو رجلها، أو شعرها، أو جملتها؛ لأنه تشبيه للزوجة ببعض أعضاء الأم، أو بما يتضمن الظهر فكان كالمشبه بالظهر، ولأن كلاًّ منها يحرم التلذذ به فكان كالظهر، إلا ما احتمل من ذلك الكرامة وإنْ لم يكن جزءاً؛ كأمي وعينها، وكذا رأسها وروحها؛ فليس بصريح، بل كناية في الظهار والطلاق، فلا ينصرف إليهما إلا بنية” [أسنى المطالب 3 /358].
فإذا قال الزوج لزوجته: “تحرمي عليّ كما حرمت أختي”، فهذه العبارة ليست صريحة في الظهار، فتحتمل الظهار وغيره، وذلك راجع إلى نية الزوج: إذا قصد ونوى بها الظهار فالحكم ظهار، فعليه صيام شهرين متتابعين من قبل أن يجامعها، فإن كان لا يقدر على ذلك فعليه إطعام ستين مسكيناً، وإذا قصد بها الطلاق فحكمها طلاق، وإذا قصد بها تحريم جماعها على نفسه، فيلزمه كفارة يمين.
وعليه؛ فقول الرجل لزوجته: “تحرمي عليّ كما حرمت أختي”، يعدُّ من الألفاظ الكنائية التي يتوقف الحكم فيها على نية الزوج، إن قصد ظهارًا فهو ظهار، وإن قصد طلاقًا فهو طلاق، وإن لم يقصد شيئًا فعليه كفارة ككفارة اليمين. والله تعالى أعلم.

السؤال:
أين الله تعالى ممّا يجري في العالم من ظلم الأبرياء، وسفك الدماء، وانتهاك الحقوق، وتسلط الأقوياء على الضعفاء بغير وجه حقّ؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله
ما يقع في الدنيا من الحروب والقتل والظلم وتسلط الأقوياء على الضعفاء ليس آخر الأمر، بل إنّ وراء ذلك حساباً عسيراً يوم القيامة يلاحق كل ظالم وقاتل ومسيء، يقول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ} [إبراهيم: 42]، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم في وصف كمال العدالة يوم القيامة وانتصاف المظلوم من ظالمه: (لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ، مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) رواه مسلم.
وأما السؤال: أين الله من الظلم والقتل والعدوان؟ فجوابه أن الله سبحانه جعل هذا القتل والعدوان سبباً في رفعة درجات المظلومين يوم القيامة، وسبباً في تعذيب الظالمين في الدنيا والآخرة، يقول الله سبحانه: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120]، ولو أنّ الله سبحانه وتعالى منع كل ظلم بقدرته لم يكن للتكليف معنى في هذه الدنيا، ولكان هذا مؤدياً إلى تراخي الناس في أداء الحقوق والسعي إليها، ولكانت الدنيا مرتعاً وخيماً للشهوات الدنيئة حيث يأمن كل أحد من كل صعوبة، وتصير الدنيا للدعة والراحة بلا أي معنى للتفاضل بين الناس، فكأن هذا السائل يتصور دنيا تناسب وهمه وشهوته وقلة حيلته، دنيا لا مرض فيها ولا عرض ولا ابتلاء ولا فقر ولا موت ولا ألم، فهذا السؤال باطل جملة وتفصيلاً، ويدلّ على وهن النفس وقلة العزم وضعف العقل.
ومنهج الحياة الذي ارتضاه الله تعالى هو تمكين الإنسان من تدبير أمور معيشته وعلاقته بالآخرين بكلّ عدلٍ وإنصاف، بحيث لا يظلم نفسه ولا يظلم أحداً من إخوته في الإنسانية، وقدرة الإنسان على ذلك هي منحة ربانية من الله تعالى، حيث أنعم على الإنسان بالعقل والاختيار، يقول الله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ* وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ* وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد: 8- 10].
فإذا صدر من الإنسان تصرّف باطل فاللوم راجع على ذلك الإنسان الذي أساء، وليس اللوم راجعاً على الله سبحانه وتعالى، بل إن الله عز وجل جعل الإنسان الذي لا يحتكم إلى العقل والرشاد من جملة البهائم والدواب، يقول الله سبحانه: {وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ} [الأعراف: 179].
وقد أوضح الله تعالى هذه القضية في القرآن الكريم، وبين سبب إرادته لإجراء أمور الدنيا على منهج التكليف والابتلاء والصبر، فقال سبحانه: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا} [الفرقان: 20]، والمعنى أن الله تعالى لو أراد لجعل رسله من الملائكة في رتبة عالية لا يمكن للبشر إلا أن يستجيبوا لهم خوفاً وقهراً واضطراراً، لكن الله تعالى أراد في حكمته أن يجعل الأمر اختيارياً، وجعل الناس يصطدم بعضهم ببعض، ليتخذ كل واحد موقفه الذي سيحاسب عليه.
وكذلك لو أراد الله تعالى أن يمنع الناس من الاقتتال لفعل، ولو أراد أن يكفّ يد الظالم لفعل، وهو القائل سبحانه: {وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253]، والقصد من حصول هذه المصائب اختبار المؤمنين، يقول الله تعالى في بيان ذلك: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ* وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} [العنكبوت: 2- 3]، وإنّما يمكّن الله الظالم من الظلم ليأخذه بعد ذلك بجريرة ظلمه، ويرفع المظلومين درجات يوم القيامة، قال تعالى: {وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ* وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ} [القصص:5- 6].
وعليه؛ فإنّ الله عز وجل عالم بكل ما يجري في الكون، بل لا تكون في العالم كائنة إلا بإرادة الله تعالى وقدرته، ومن ورائها من الأحكام والحكم والتدبيرات الإلهية ما يخفى على ظاهر العقول، ولا يدركه إلا أصحاب البصائر النورانية من أهل اليقين والإيمان، وواجب المؤمن تجاه ما يجده من المصائب والمصاعب والابتلاءات أن يصبر ولا يجزع، ويأخذ بأسباب القوة والمنعة التي تجعله فوق اعتداء المعتدين ومطامع أهل الكفر والطغيان. والله تعالى أعلم.
للمزيد من الفتاوى الاسلامية: زيارة موقع دائرة الإفتاء العام الأردنية