قصة نجاح جان كوم مؤسس «واتساب» :وُلد جان، الذي أصبح لاحقاً مؤسس “واتساب”، كطفلٍ وحيد لأسرة بسيطة في العاصمة الأوكرانية كييف عام 1976، وهو ذو أصول يهودية، وقضى معظم طفولته في الترحال. وبجانب العيش في مدينة كييف، انتقلت الأسرة إلى مدينة فاستيف في أوكرانيا، قبل أن تقرر الهجرة إلى ولاية كاليفورنيا الأميركية عام 1992؛ هرباً من تعسف الدولة آنذاك، وما واجهته من عنصرية وتمييز بسبب أصولها اليهودية.
كان من المقرر أن يسافر والد جان برفقة الأسرة، بمن في ذلك الجدة، إلى كاليفورنيا، أو ينضم إليها لاحقاً، لكنّه لم يغادر أوكرانيا على الإطلاق، وأصيب بمرض، فظل هناك حتى توفي عام 1997.
وخلال تلك الفترة، جرى تشخيص إصابة الأم بالسرطان، وكانت الأسرة في حالة متدنية، وتعتمد على الدعم الاجتماعي، كما كانت الأم تعمل كجليسة أطفال قبل أن تتوفى عام 2000، بعد صراع مع المرض.
شكّل العمل حاجةً أساسيةً لمؤسس “واتساب” خلال فترة المراهقة لمساعدة والدته قبل وفاتها؛ إذ عمل جان كوم كعامل نظافة في أحد المتاجر، بينما كان عمره 16 عاماً، كما ذُكر أنه سبق أن عمل كناطور (بواب).
قصة نجاح جان كوم مؤسس «واتساب»
استكشف مؤسس “واتساب” شغفه بالبرمجة والتكنولوجيا خلال فترة الثانوية، بينما كان في سن الـ18 عاماً، وبدأ يعلم نفسه بنفسه بشأن ما يتعلق بالكمبيوتر والبرمجة، وغيرهما من خلال دراسة الكتيبات. ولأنه لم يتمكن من تحمل تكاليف شراء كتيبات جديدة، راح يستعير الكتيبات المستعملة من متجر كتب، ويعيدها بعدما ينتهي من قراءتها، لكي يتمكن من توفير المال؛ حتى أصبح متمكناً وذا مهارات عالية كمهندس شبكات كمبيوتر.
بعد سنوات قليلة من الاستمرار في تعزيز مهاراته، انضم جان إلى مؤسسة W00W00 لأمن الكمبيوتر، وهي تجربة ساهمت في شحذ مهاراته، وهناك التقى شون فانينغ في بداياته قبل أن يصبح مؤسس برنامج “نابستار”.
اقرأ أيضاً : قصة نجاح بيل غيتس “Bill Gates”
التحق جان كوم، الذي أصبح مؤسس “واتساب”، بجامعة سان خوسيه في كاليفورنيا، وكان يعمل خلال الدراسة ليتمكن من تسديد مصاريف الدراسة واحتياجاته، وعمل كخبير نظم أمنية في شركة “إرنست آند يونغ” E&Y، إحدى أكبر الشركات المهنية في العالم. وفي هذه الشركة التقى كوم صديقه وشريكه المستقبلي بريان أكتون، الذي كان داعماً كبيراً له بينما كان يعيش بمفرده.
قصة نجاح جان كوم مؤسس «واتساب»
وقرر الصديقان ترك العمل في شركة “إرنست آند يونغ” معاً، والعمل في شركة “ياهو” الشهيرة، وذلك بينما كان لايزال جان يدرس في الجامعة، إذ استعانت الشركة بجان كوم لفحص النظم الأمنية في الشركة، ثم انضم إليه صديقه بريان، ليصبحا من أوائل موظفي “ياهو”.
واستعانت الشركة بجان كوم بعد أيام قليلة من مواجهتها مشكلة في أنظمتها، وجرى استدعاؤه على الفور، بينما كان يحضر حينها إحدى المحاضرات.
بعد هذا الموقف، أدرك جان أنه سيصعب عليه المواكبة بين الدراسة والعمل في “ياهو”، وأنّ عليه الاختيار بينهما، قبل أن يختار الأخيرة في نهاية المطاف، واستمر وصديقه بريان في العمل بالشركة لمدة 9 سنوات قبل استقالتهما في 2007، لاستكشاف زوايا أخرى في الحياة المهنية، خاصة ما يتعلق بعالم “السوشيال ميديا،” إذ أراد كلاهما مشروعاً أكثر ارتباطاً بالسوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي، وسافر الصديقان في رحلة إلى أميركا الجنوبية للاستكشاف.
تتأصل طفولة وطبيعة الحياة المبكرة لجان كوم في فكرة “واتساب”، وخصائصه الأمنية، فمثلما ذكرنا في البداية، واجه جان كوم وأسرته فترات عصيبة في أوكرانيا، منها العنصرية والتمييز بسبب أصولهم اليهودية، إذ كانوا يعيشون في فترة كان النظام الشيوعي سائداً فيه، وذا تأثير سلبي فيهم، حيث عادةً كان يتم خرق خصوصيتهم، فضلاً عن صعوبة تواصل الأسرة مع بعضها بعضاً، من خلال الوسائل المتاحة، التي كانت باهظة أيضاً.
وسبق أن قال كوم عن تلك الفترة: “لقد نشأت في مجتمع كل ما تفعله يتم التجسس عليه وتسجيله والإفشاء به. ليس من حق أيّ شخص أن يتجسس عليك وإلا سيصبح البلد استبدادياً، وهو نوع البلد الذي هربت منه في الصغر”. من هذا المنطلق المترسخ منذ الطفولة، تأصلت فكرة مؤسس “واتساب” لإنشاء تطبيق محادثة يحترم خصوصية المستخدم لأقصى الحدود ولا يتعدى عليها، وذا نظام أمني عالٍ.
بعد انتهاء رحلة أميركا الجنوبية، عاد جان كوم وبراين إلى الولايات المتحدة، وسعياً لاتخاذ خطوات جدية بشأن حياتهما المهنية، إمّا الانضمام لشركة أخرى أو بدء شركتهما الخاصة.
وبالنظر إلى التطبيقات المشابهة مثل “سكايب”، والأخذ في الاعتبار تجربته الخاصة في الصغر، أراد جان إنشاء تطبيق يُحسِّن تجربة المستخدمين، الذين قد يمرون بنفس ظروفه.
وفي أوائل عام 2009، استشار جان صديقه أليكس فيشمان، وساعده على بدء تنفيذ فكرة “واتساب”، وعرفّه بخبير روسي. وبالفعل في 24 فبراير، وهو يوم عيد ميلاد جان كوم، جرى تأسيس “واتساب”، رسمياً، تحت اسم WhatsApp Inc.
جرى إطلاق “واتساب” في 3 مايو 2009، وبدأت فكرة جان تحصد نجاحها على مهلٍ، حتى حدّثت شركة “آبل” نظام هواتف الآيفون، ووفرت ميزة Push للإشعارات، الأمر الذي عزز فكرة “واتساب”.
ومع تحديث التطبيق في سبتمبر، تعزز نمو الشركة بسرعة كبيرة، وخلال شهر أكتوبر من العام نفسه، تلقى جان وبراين طلبات من زملاء سابقين في “ياهو” بالاستثمار في الشركة بـ 250 ألف دولار.
قرر جان كوم وبريان عدم تلقي راتب إلا 99 سنتاً (أقل من 1 دولار)، خاصة خلال السنوات الأولى، واستخدما مالهما الخاص لتعزيز وتطوير التطبيق، كما كانا رافضين لفكرة الاعتماد على التسويق والإعلانات قبل أن يتعاونا في 2011 مع جيم غوتز، من شركة “سكويا كابيتال” للتسويق والإعلان، ولكن وفقاً لشروطهما الخاصة، ومقابل 8 ملايين دولار والتي تحولت إلى 50 مليون دولار في 2013، ما ساهم في تطوير وتعزيز التطبيق.
في بداية الاستكشاف، وخلال رحلة أميركا الجنوبية، تقدّم جان وبراين بطلب للعمل في شركة “فيسبوك”، ولكن تم رفضهما، إلا أن المفارقة هنا هو أنه بعد عدة سنوات، عادت شركة “فيسبوك” لتطرق باب مؤسس “واتساب” لشراء التطبيق مقابل 19 مليار دولار.
وهو عرض لم يتمكن جان وبراين من رفضه، وانضما لـ”فيسبوك”، وعملا في إدارة “فيسبوك” لمدة 4 سنوات، قبل استقالتهما، بسبب ظهور مشاكل تتعلق بالإعلانات وحماية خصوصية المستخدمين، كما شارك براين في حملة #DeleteFacebook.
بعد الاستقالة من “فيسبوك” و”واتساب”، ركز جان وبراين جهودهما على الأعمال الخيرية، وكانت طفولة وتجربة مؤسس “واتساب” هي العنصر الأكثر تأثيراً في هذا الشأن، إذ ركز على توفير مساعدات لمجتمعات مختلفة بجانب تعزيز التطوير التكنولوجي، وسبق أن تبرع بـ556 مليون دولار لمؤسسة “مجتمع وادي السيليكون”، وحوالي 1.5 مليون دولار لمؤسسة FreeBSD.
كما أسس جان كوم منظمة “عائلة كوم” The Koum Family عام 2016، التي ساهمت في التبرع بـ10 ملايين دولار لجامعة ستانفورد عام 2018.
جان كوم متزوج من عارضة أوكرانية تدعى إيفلينا مامبيتوفا، ومؤسسة علامة M20 fashion. بدأ ارتباطهما عام 2014، قبل أن يقرر الزواج في 2018، على الرغم من مزاعم بعدم تأكيد زواجهما رسمياً حتى الآن.
في 2014، انضم مؤسس “واتساب” لقائمة “فوربس” لأكثر 400 ثري أميركي، محتلاً المرتبة الـ62 بثروة مقدرة بـ 7.5 مليارات دولار، بينما تقدر ثروته الحالية بـ10.4 مليارات دولار، كما يمتلك جان كوم طائرة ويختاً خاصين، بجانب منزل فاخر قيمته 100 مليون دولار.
من بين التفاصيل المثيرة بشأن مؤسس “واتساب”، أنه يكره تلقيبه برائد أعمال، إذ يرى أن هذه الكلمة تعني أن الشخص صاحب المشروع لا يسعى سوى وراء المال، وأنه ليس كذلك.
